يتشدق الصهاينة بأن دولتهم ديمقراطية، أين هي الديمقراطية التي يتحدثون عنها؟ دولتهم تقمع حتى اليهود الشرفاء، ورأينا بأم العين القمع والسحل والاعتقال للمتظاهرين ضد فساد نتنياهو في شوارع تل أبيب، كل شيء في ذلك الكيان تحت هيمنة الأمن والعسكر، السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مجرد مؤسسات جوفاء لا معنى لها. والدليل النص الأصلي لوعد بلفور الذي قام على أساسه ذلك الكيان الغاصب، يقول:
"تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
جاء هذا الوعد ضمن رسالة بتاريخ 2 نوفمبر عام 1917 مُوَجَّهَةٌ من وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد، أحد أبرز مناصري الصهيونية في المجتمع البريطاني، وذلك لنقلها إلى الإتحاد الصهيوني في بريطانيا العُظمى وإيرلندا.
ونُشر نص الوعد في الصحافة في 9 نوفمبر عام 1917.
وماذا حدث في الواقع؟ جلبوا جنودهم وعصابات المستوطنين، من كل حدب وصوب من العالم، لإقامة مجتمع عنصري يقوم على الإرهاب والقتل وتشريد الشعب الفلسطيني، وحرق الشجر والزرع والضرع، وهدم البيوت وبناء جدران الفصل العنصري والحواجز الأمنية في كل قرية ومدينة.
وماذا فعلت دولتهم الديمقراطية؟
لن نتكلم عن الأسير الفلسطيني (سرحان بشارة) الفلسطيني القابع في سجون أمريكا منذ 52 عاما، هل تتخيلون سجينا لأكثر من نصف قرن في المعتقل؟ بتهمة قتل كيندي وقد أظهرت الوثائق بعد تسلم ترامب، أن المنظمة الصهيونية هم من قتل الرئيس. أو اللبناني (جورج عبدالله)، المعتقل في فرنسا، بطلب من الموساد، منذ 36 عاما، والذي طالبت أيقونة العرب الفنانة العظيمة (فيروز) في لقائها بالرئيس الفرنسي ماكرون الإفراج عنه، لأسباب إنسانية، ولأن التهمة لا تتناسب أبدًا مع قسوة الحكم، فالتهمة هي حيازة أوراق غير ثبوتية، والحكم المؤبد يعني 25 عاما، وها هو قد تجاوز مدة الحكم بإحدى عشرة سنة وما زال يقبع في السجون الفرنسية، برغبة من العجوز المنظمة الماسونية الصهيونية الشمطاء.
لكننا سنتكلم عن ديمقراطية الصهاينة مع المعتقلين الفلسطينيين القابعين في ظلام سجونهم، فقد ذكرت الدراسة التي أجراها نادي الأسير الفلسطيني، والتي انتهجت عملية بحث معمقة، واعتمدت على مختلف المصادر الإسلامية والوطنية، بأن عدد المعتقلين منذ 1967 بلغ حوالي مليون فلسطيني.
وبحسب احصاءات هيئة الأسرى الفلسطينية، فإن عدد الأسرى حتى مارس ٢٠٢٥ يبلغ ٩٥٠٠ أسيراً، بينهم ٧٠٠ مريض بالسرطان، و ٤٥٠ طفلاً، ومازال هناك أسرى مرّ عليهم ٤٠ عامًا في سجون العدو الصهيوني. ومن بين المعتقلين، 541 معتقلًا محكومون بالسّجن المؤبد.
هل يتخيل أحداً منكم بشرًا يقبعون خلف القضبان الحديدية عشرين عامًا وأكثر؟ كل حياتهم في الظلام ولا يرون النور، لكن النور الُمشعّ من قلوبهم أقوى من ظلم وظلام السجان.
أليست هذه ديمقراطيتهم؟
وتشير المعطيات التي وثّقها نادي الأسير الفلسطيني، إلى استشهاد أكثر من ٤٠٠ اسير في السجون الصهيونية منذ عام 1967، بينهم 73 بسبب التعذيب، و67 جراء الإهمال الطبي، و75 بالقتل العمد، والباقي بسبب إطلاق النار المباشر عليهم من الجنود الصهاينة.
ويعتقل الصهاينة نوابا في المجلس التشريعي، أمثال: مروان البرغوثي من فتح، وأحمد سعدات وغيرهم عشرات من مختلف فصائل المقاومة.
كما اعتقل الصهاينة 16 ألف امرأة فلسطينية وزجّ بهن في السجون منذ 1967.
هذه ديمقراطيتهم التي يتشدقون بها، وهذه حضارتهم ونحن البرابرة في نظرهم !
لم ولن يحترم الصهاينة وعودهم وعهودهم، حتى وعدهم المشئوم، ولا أية معاهدة أبرموها مع أي من خصومهم، لا كامب ديفيد ولا أوسلو ولا وادي عربة، كلها يلتزم الطرف العربي، في حين إنهم أخلفوا وعودهم ولم يلتزموا بالبنود التي وقعّوا عليها، بل وقتلوا جميع الموقعين، حتى اسحق رابين لم يفلت من القنص، لكي لا يلتزموا بأي بند فيها.
هم لا يؤمنون سوى بقانون الغاب ولغة القوة، التي يريدونها أن تتحكم في العالم أجمع، لتقلب الحق باطلاً والباطل حقًا، لكن ألا يعلمون بأن هناك من هو الأقوى منهم، القوي الجبار المهيمن القادر عليهم، وحتماً سيأتي يوم، ويدور الزمان عليهم، وعسى الله أن يرينا فيهم عجائب قدرته.
إن الشعب الفلسطيني الأبي المناضل، شعب الجبارين، الذي يُواجه وحيدًا، آخر أعتى احتلال على وجه الأرض، سينتصر حتمًا، بوحدته، وصموده، وإبداعه العبقري في النضال، لأن فلسطين قضية الحق والعدل والإنسانية.
------------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
سفيرة المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام